عودة الموظفين للعمل من مقر الشركة: أسبابها، وفوائدها، وعواقبها

لقد أصبح العمل عن بعد من أكثر المواضيع تداولاً في الآونة الأخيرة، وخاصة بعد انتهاء الجائحة، ومطالبة الموظفين بالعودة إلى مقر الشركة تحت طائلة الفصل من العمل. ولقد احتلت هذه النقاشات الحادة والتصريحات الجريئة من أرباب العمل عناوين الصحف والمجلات العالمية في الآونة الأخيرة.
ومن المتوقع أن يعود 90% من أرباب العمل إلى مقر الشركة في العام الجاري، وذلك بحسب أحد استبيانات موقع “ريزيمي بيلدر” (Resume Builder) الذي أُجرِي في أواخر العام الفائت على عينة تتألف من 1000 عامل في الإدارة التنفيذية والعليا من أصحاب القرار.
والجدير بالذكر أن نتائج الاستبيان كشفت أيضاً أنَّ أكثر من 80% من الشركات التي بدأت فعلياً بتطبيق إجراءات إعادة الموظفين إلى مقر الشركة في عام 2023 تستخدم أجهزة وأدوات للتحقق من التزام الموظفين بالدوام ضمن مكاتبهم، كما تعتزم 70% من الشركات التي تخطط للعودة في العام الجاري لاستخدام نفس الأدوات في تسجيل الحضور ومتابعة الموظفين أثناء الدوام، وهو ما أثار جدلاً واسعاً في أوساط العمل، وانقسمت الآراء ما بين مؤيد ومعارض لهذه العودة.
كما صرح عدد كبير من أرباب العمل أنهم لن يتوانوا عن فصل الموظف الذي يصر على متابعة العمل من منزله ويرفض العودة إلى مقر الشركة.
ولقد أثارت هذه القرارات الجائرة غضباً عارماً بين الموظفين الذين اعتادوا على العمل من المنزل، وأولئك الذين يحتاجون بشدة لهذه التسهيلات نتيجة ظروفهم الصحية ومسؤولياتهم العائلية التي تمنعهم من الحضور لمقر الشركة.
أسباب المطالبة بالعودة إلى مقر الشركة
يقتضي التفكير السليم البحث في الأسباب المنطقية التي تفسر قرار إعادة الموظفين إلى مقر الشركة، والعمل على إيجاد حلول مبتكرة ترضي جميع الأطراف.
حيث بينت نتائج استبيان موقع “ريزيمي بيلدر” المذكور أعلاه أنَّ أكثر من 80% من القادة يتوقعون أن تؤدي عودة الموظفين إلى مقر الشركة إلى تحقيق النتائج التالية:
- زيادة الإيرادات.
- تحسين إنتاجية العمل.
- تطوير ثقافة الشركة.
هذه النتائج مبنية على بيانات الشركات التي بدأت بتطبيق إجراءات العودة إلى مقر الشركة بين العامين 2021-2023 وأكدت أنَّ هذه السياسة ساهمت في زيادة معدل استبقاء العمالة، وتحسين إنتاجية العمل، والإيرادات، وتطوير ثقافة الشركة، وتقوية علاقات الموظفين.
كما يفترض أرباب العمل أنَّ إجبار الموظفين على العودة لمقر الشركة هو الحل الأمثل لتحسين الإنتاجية والإيرادات وتطوير ثقافة العمل.
عواقب إجبار الموظفين على الدوام في مقر الشركة
فيما يلي مجموعة من العواقب الوخيمة التي يمكن أن تنجم عن التطبيق القسري لقرار إعادة الموظفين إلى مقر الشركة:
1. تفاقم فجوة المهارات والمواهب في الشركة
يمكن أن يؤدي فرض الدوام في مقر الشركة إلى تناقص عدد المرشحين المتقدمين إلى الشواغر المتاحة، حيث ستقتصر طلبات التوظيف على العاملين القادرين على الحضور إلى أحد أفرع الشركة القريبة من مكان سكنهم.
حيث يؤدي تطبيق هذه السياسة إلى خسارة المرشحين الذين يقيمون في منطقة بعيدة عن مقر الشركة، أو ممن لا يقدرون على دفع جزء من الراتب على أجور المواصلات، وهدر جزء كبير من وقتهم للوصول إلى مكان العمل.
2. خسارة عمال الياقات البيضاء
على الأرجح أن يتجه عمال الياقات البيضاء الذين يمتلكون مهارات مطلوبة في سوق العمل إلى البحث عن فرص عمل عن بعد. ويمكن تأدية هذه الوظائف من المنزل وثمة طلب كبير عليها من قبل شركات التكنولوجيا الناشئة والمؤسسات التي تعمل عن بعد، ما يعني أن الشركات المنافسة ستستقطب موظفيك الموهوبين والمرشحين المثاليين المؤهلين لملء الشواغر عندك.
3. انخفاض إنتاجية العمل
يمكن أن يؤدي تطبيق سياسات العمل من مقر الشركة إلى تخفيض إنتاجية العمل، حيث كشف 70% من القادة عن تفاقم أزمة المهارات في شركاتهم وذلك بحسب تقرير فجوة المهارات في مكان العمل الصادر عن منصة “سبرينغ بورد” (Springboard) في عام 2024.
بالنتيجة، تؤدي هذه السياسات الجائرة إلى استقالة الموظفين ذوي الكفاءات والمهارات المطلوبة في الشركة، وقد ورد في التقرير آنف الذكر الملاحظة التالية: “تتسبب أزمة المهارات في خسارة المواهب، مما يؤثر سلباً على الابتكار، والنمو، والإنتاجية وغيرها من العوامل”.
4. إقصاء فئات معيَّنة من الموظفين
إنَّ تطبيق سياسة عودة الموظفين إلى مقر الشركة، وتفضيل أولئك القادرين على الالتزام بالدوام المكتبي يمكن أن يؤدي إلى إقصاء فئات معيَّنة وعلى رأسها النساء، والأمهات، وذوي الاحتياجات الخاصة. ويستطيع هؤلاء الموظفون تأدية المهام المطلوبة منهم بفعالية عالية عندما يعملون من منزلهم، ولا يمكنهم أن يحضروا لمقر الشركة بسبب ظروف حياتهم.
شاهد بالفيديو: 7 نصائح لإدارة فِرَق العمل عن بعد بنجاح
تجارب الشركات التي تعمل عن بعد
يجب أن يستفيد أرباب العمل من تجارب الشركات التي نجحت في الاستفادة من نظام العمل عن بعد في تحقيق أهدافها وإرضاء موظفيها ومراعاة مصالحهم.
ولقد نجحت هذه الشركات في التوصل إلى حلول مبتكرة تضمن تحقيق مصالح ورضا جميع الأطراف، وتسهم في تعزيز العافية، وتطوير ثقافة الشركة بطريقة إبداعية، مع الحرص على مراعاة ظروف الموظفين، وإتاحة إمكانية العمل عن بعد جزئياً أو كلياً. حيث تمكنت هذه الشركات من استثمار الموارد المتاحة بفعالية وبطريقة تضمن الحفاظ على المواهب وتحقيق أقصى فائدة ممكنة من مقر الشركة.
ويمكن الاستشهاد بتجربة شركة “هاب سبوت” (HubSpot) التي تطبق نظام العمل الهجين وتُعتبَر من أبرز الشركات الرائدة في مجال التسويق الرقمي، و”إدارة علاقات العملاء” (CRM)، والمبيعات. حيث تطبق الشركة سياسة تسمح للموظف باختيار نظام العمل الذي يناسبه بعد خوض نقاش صريح مع المدير، حيث تشمل خيارات العمل المتوفرة: العمل من المنزل، العمل الهجين، العمل من مقر الشركة. وتؤكد المعلومات الواردة في الموقع الرسمي على الجهود التي تبذلها الشركة لتمكين الموظفين من تقديم أفضل ما عندهم في كافة خيارات أنظمة العمل.
ولقد نجحت شركة “هاب سبوت” في إيجاد حلول مبتكرة لتحسين الإنتاجية والتعاون بين الموظفين العاملين عن بعد، وذلك عبر إنشاء قنوات ومجموعات للتواصل على منصات “سلاك” (Slack)، و”زوم” (Zoom)، وتوفير مرجع “ريموت سبوت” (RemoteSpot) الذي يزود الموظفين العاملين عن بعد بالمعلومات والدعم الذي يحتاجون إليه.
تطبق بعض الشركات الأخرى مثل “إير بي إن بي” (Airbnb) سياسة العمل من أي مكان يناسب الموظف، مما يوفر المرونة والأريحية ويساعد في استقطاب العاملين المستقلين من كافة أنحاء العالم. وتعتمد سياسة الشركة على العناصر التالية وذلك بحسب موقع الوظائف الخاص بها:
- قبول المرشحين بصرف النظر عن مكان إقامتهم ومنحهم كافة مستحقاتهم وتعويضاتهم.
- إمكانية العمل المؤقت من أي دولة في العالم بشرط الحصول على موافقة الشركة والامتثال للقوانين المحلية.
- عقد اجتماعات دورية بين أعضاء الفريق لتعزيز العلاقات والتواصل الفعال.
- التنسيق بين أعضاء الفريق بطريقة تضمن سير العمل بسلاسة.
تدعم هذه الشركات نظام العمل عن بعد، وتركز على راحة الموظف وتأخذ بعين الاعتبار ظروفه واحتياجاته، وتبتكر حلول تتيح للموظفين إمكانية العمل من المكان الذي يناسبهم بشرط تحقيق الأهداف التجارية المطلوبة.